الاثنين، 3 يناير 2011

حرب الخنادق (قصص عن الملل)

ألعن أنواع الحروب هي حرب الخنادق
فيها يبقى الجندي منتظرا في خندقه حتى تكتمل سيمفونية المدافع التي تهدم على كلا الجانبين الخنادق الأولى ثم يندفع الجندي ليعبر الساحة الممزقة تحت أمطار من نيرانه ونيران العدو لينزل لخندق العدو ويهاجم جنوده
أو يبقى في هذا الخندق الكئيب الخانق الممتلأ بالفئران حتى يأتي له جندي العدو المهاجم فيمزقه
لمدة طويلة ظلت هذه الطريقة اللعينة للقتال الممتلأة بالأهوال سائدة حتى هدمها القادة النازيون باعتمادهم على المدرعات السريعة التي تمزق الخنادق والحصون تمزيقا
لكنها اليوم عادت لمنزلي
بقرار صارم من زوجتي كان علينا استضافة أطفال العائلة كلهم تقريبا بينما يذهب الآخرون لرحلتهم المصيرية في دمياط لشراء الأثاث الجديد اللازم لزفاف شقيقتي على شقيق زوجتي
في البداية كنت سعيدا بهذه المصاهرة المزدوجة لكن الآن أصبحت الأمور صعبة جدا
فنحن لم ننجب وأقارب لكلا العروسين ولذا فإننا ضحية مناسبة جدا
فقد تخندق أطفال عائلتي في جهة وأطفال عائلة زوجتي في الأخرى وبدءوا في حرب استنزاف طويلة
استنزاف لأعصابي
معارك طوال اليوم تخلو من الدماء الا تلك التي تتدفق بعنف إلى رأسي
شجار بألفاظ كنت أستحي من مجرد سماعها وأنا شاب وإذا خاطبت أحدهم ونهرته رد ببرود "المستر في المدرسة بيقولهالنا. عادي يعني."
يدلع كلمة استاذ الى مستر بينما هو يأخذ عنه أقبح الألفاظ
ومن الصعب أن أقنعهم أن تلك الألفاظ العادي يعني عقوبتها الشرعية 80 جلدة!
فكرت في فكرة بديعة وهي الأغراء الذي لا يستطيع أي ولي أمر مقاومته
لأجبر (الأطفال) ولا أدري كيف يمكن وصفهم بهذه الصفة؟ على المذاكرة
وتقمست روح القائد النازي الصارم مستخدما الجملة الشهيرة "يا تنام يا تذاكر!"
في البداية أدت مفعولا سحريا
ثم تورطت في الأمر
فقد أكملت زوجتي خطة التهدئة بتوريطي في المذاكرة للأطفال
بعضهم اغبياء حقا ويحتاجون للإعادة مائة مرة
فيصاب الذين يمتلكون ذكاء الشياطين بالسأم ويبدأون في التمرد واللهو الذي سرعان ما يجذب الباقين لصفهم ولاأقمع الثورة إلا بالكثير من الشخط والزعيق حتى كدت أن أفقد صوتي
وفي النهاية انسحبت مستسلما بينما زوجتي تبتسم ابتسامة باردة وهي توزع الساندوتشات والحلوى عليهم لتظهر بصورة الملاك الطاهر في مقابل الشيطان الدموي الذي هو أنا.
أتفهم ما تفعله فهي تدرك جيدا أن كل شيطان آسف طفل من هؤلاء سيعود لإعطاء تقرير وافي ومفصل عن الأيام التي قضاها في الجبهة آسف منزلنا.
فكرت أن أترك لها الجمل بما حمل وأزوغ لأي مكان
لكني أدرك تبعات ها القرار جيدا فالسيدة الفاضلة حماتي ستقدم شكوى للأهل والأصدقاء والجيران والمعارف ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية لتركي زوجتي تتحمل كل هذا وحدها
بينما السيدة الفاضلة والدتي ستقوم بعمل جرد شامل لتتأكد أن الأطفال عادوا من عند حرمي المصونة بدون أن ينقصوا يدا او رجلا أو يصابوا بعضات مصاصي الدماء والمؤوبين ولن أنجح أبدا في إقناعها أن هذه الجروح تسبب بها الأطفال لبعضهم.
لم أجد ما أفعله سوى أن عزمتهم جميعا على خروجة للأهرامات
الأهرامات العظيمة التي وقف نابليون أمامها مبهورا.
الأهرامات الشامخة التي ارهقت عمالقة ريال مدريد لينهزموا أمام الأهلي.
توجهت بالقافلة نحو الأهرامات التي لم أزرها منذ كنت طفلا صغيرا وهناك تلقيت صدمة عمري.
ممنوع على المصريين الأقتراب من الأهرامات.
ماذا لكننا نحن من بناها ومن يحرسونها في بلادهم و.........
معلشي يا فندم دي أوامر لأن في ناس بتعمل حاجات وحشة وتقعد تتسلق الهرم وتشخبط على الأحجار
رجعت مفحوما صحيح انني أرفض حرمان المصري من هرمه لكن من ناحية اخرى علي أن أعترف أن في هذا اليوم بالذات لن أستطيع منع المشاغبين الذين معي من ارتكاب كل هذه المظاهر الغير حضارية.
ربما في يوم آخر كنت سأعترض وأحتج وأذهب للمسؤلين.
ربما.
أما الآن فكان علي البحث عن مكان( للفسحة) التي وعدت بها الأطفال.
لا آمن لحديقة الحيوان فهي متسعة ولن أستطيع السيطرة عليهم جميعا.
ذهبت لبرج القاهرة وتمشينا على النيل وأطعمتهم الذرة الساخنة وقليل من الحلوى واتضح لي أن الضحك على الأطفال ليس بهذه الصعوبة.
عدت للبيت منتصرا بعد أن مشينا من البرج حتى المنزل (مسافة ثلاثة أحياء) وأنا منهك لكن واثق من أنهم أكثر إنهاكا
واتضح لي أن معلوماتي عن تلك المخلوقات المرنة ضعيفة للغاية فهم يتعبون بسرعة شديدة لكنهم يستعيدون جهدهم بسرعة أكبر
وسرعان ما عادت حرب الخنادق لتشتعل بينما السأم يخنقني
أشعر أن الكون يطبق بأكمله على صدري وأن كلمة اتساع لا وجود لها في اللغة
ببساطة انا مخنووووووووووووووووق
ولا أجد ما أفعله سوى الصبر المؤلم جدا والممل جدا جدا
مضت الأيام ببطء حتى عادت كوكبة المنتصرين الذين هزموا التتر من تجار الأثاث وأجبروهم على النزول للسعر المطلوب
وبدأ كل واحد يستعيد طفله بعد ان يسمع التقارير الفورية التي تطوعوا بها قبل حتى أن يسألهم آبائهم
لكن حينما سمعت التقارير أحسست أن الأمر مختلف عن نظرتي السابقة.
ذهبوا للاهرامات وأنا كذلك. فرحوا في البرج الذي لم أزوره قبلا مشينا على النيل الذي نسكن قريبا منه لكننا نسمع عنه في الشعر فقط.
لم يكن الأمر سيئا إلى هذا الحد.
حتى معركة المذاكرة الفاشلة لقيت عليها تقدرا جميلا من الجميع. ولا أنكر أنني تمتعت بقدر من الحلوى التي صنعتها زوجتي لم أراه من قبل ولن أراه فيما بعد.
الشيء السيء الوحيد هو هذا الشعور بالفراغ الذي انتابني حينما رحل الأولاد واحدا تلو الآخر.
ياله من شعور ممل وبغيض.
حقا الأولاد نعمة تملأ عليك حياتك.
وتبادلت نظرة ذات مغزى مع زوجتي حملت الكثير والكثير
حملت قلقا وحزنا وحبا واحساسا بالفراغ وشيء من الغيرة وبعض الراحة

ليست هناك تعليقات: