الأحد، 24 يوليو 2011

كيف تخلص الباشا من ثوار 25 يناير

بعد مرور حوالي 50 سنة على فشل تجربة الانقلاب العسكري التي قادها علي بك الكبير قبل أن يسرقها منه محمد بك ابو الذهب (حاجة زي ثورة يوليو كده) ولم يسفر تسليم الامور لبكوات المماليك الذين قاموا بالحركة (النخبة العسكرية المصرية) سوى عن اضعاف البلاد وزيادة التدخل الاجنبي لدرجة الاحتلال (زي هزيمة 67) لم يتحمل الشعب المصري الذل والمهانة والتخلف وقرر القيام بثورة شعبية عام 1805 (زي ثورة 25 يناير 2011)ـ

بدأت الثورة على مرحلتين الأولى الاطاحة بزعامات المماليك متمثلة في البرديسي بك كرد على قرارات اقتصادية فاشلة بهتاف ايش تاخد يا برديسي من تفليسي (زي عيش حرية عدالة اجتماعية ايامنا)

ولكن تزايد قمع الوالي العثماني خورشيد باشا وقوات الانكشارية (زي الداخلية دلوقت) فتحركت القوى الشعبية بقيادتها التي حرضت على الحرية من قبل الحملة الفرنسية متمثلة في علماء الازهر ونقابة الاشراف (زي كفاية وكلنا خالد سعيد والعالم دي) ـوهنا حدث الصدام الكبير مع الانكشارية والوالي وانتهى الأمر بانتصار الثورة الشعبية المصرية الناجحة الاولى في التاريخ منذ ثورة اعادة الناصر قلاوون لمنصبه عام 1299

اجتمع الثوار واتفقوا على تسليم امانة الحكم لقيادة الجيش المتمثلة في محمد علي باشا الذي وقف موقفا محمودا من الثورة ورفض أن يقوم جنوده الالبان بضرب الشعب المصري الثائر (زي المجلس العسكري) طبعا كان ذلك بشروط أهمها ألا يقطع أمرا إلا بمشورتهم (زي ما بنقول دلوقت مفيش قانون يطلع الا بعد التشاور مع القوى السياسية)ـ

لكن كانت هناك مشكلة مرعبة هي فلول المماليك (الثورة المضادة) والتدخل الاجنبي المؤيد لها. هنا ترك الشعب وقوى الثورة حرية اكبر لمحمد علي باشا لأجل إعادة الامن وهزيمة قوى الفلول. ومن باب الوطنية ساعدوه لمواجهة التدخل الأجنبي لدرجة أن اثنين من مشايخ الأزهر (ومن الأشراف) هما الشيخين الصاوي والدواخلي قاما بالتوسط لدى الفلول المملوكية لأجل التوحد ضد حملة فريزر وانقاذ محمد علي من السقوط

خلال هذه الأحداث كان الداهية الألباني يتحرك بحرص. هو يدرك أنه ليس ذو شعبية ضمن قواته العسكرية التي تطيعه لفارق الرتبة فحسب فسع لاستبدالها بالتدريج والتنكيل بالمتمردين منهم وأدرك أن الثوار هم القوة الحقيقية التي صنعته وبالتالي القادرة على سحقه فبدأ ببث الفتنة بينهم

بدأ بعمر مكرم نقيب الأشراف. له دور كبير -هو والنقابة- في مواجهة الاحتلال الفرنسي وهو والنقابة لهما دور كبير في مواجهة المماليك

لكن الشيخ عمر مكرم لم يكن هو الثورة. هناك آخرون قاموا بأدوار كبيرة. هناك حزب مؤيد للشيخ البكري وحزب مؤيد للشيخ الشرقاوي وحزب مؤيد للسيد المحروقي من ضمن قوى الثورة. واحد كان نقيب الأشراف في أحلك الفترات والآخر كان رئيس الديوان في عهد الحملة الفرنسية وتحمل عبء مواجهة غضب نابوليون وادارة شئون البلاد في الظروف العصيبة (زي ما بنقول على شفيق دلوقت) والثالث ممثل للتجار والأعيان غير الأزهريين(مرشحين للزعامة زي البرادعي وموسى والعوا دلوقت)ـ

هل نترك القوة الأزهرية الهاشمية المتطرفة متمثلة في عمر مكرم تسيطر على شئون البلاد؟ بدأت الشائعات تنسج حول عمر مكرم فهو من سمم ابن الشيخ الدواخلي تلميذ الشيخ الشرقاوي وهو يسعى للاطاحة بمحمد علي (حاجات كده زي حظاظة وائل غنيم ومايوه بنت البرادعي) ووصل الأمر للذروة بخلاف حول ضرائب لتمويل الدولة والجنود الذين يتولون إعادة النظام (زي الخلاف حول قانون الانتخاب والدستور أولا)النتيجة الاطاحة بعمر مكرم وتعيين الشيخ السادات مكانه نقيبا للأشراف (راجل كبرة عجوز لا يهش ولا ينش زي يحيى الجمل بالظبط)ـ

بعد الاطاحة بحزب عمر مكرم كانت أحوال الدولة والصمود أمام التدخل الأجنبي وإنقاذ الدولة من الانهيار (زي عجلة الانتاج الواقفة) يجبران القوى الثورية على الصمت

لكن الرجل العجوز توفاه الله (زي استقالة يحي الجمل لأسباب صحية) , وعاد منصب نقابة الأشراف (اللي بقى منتهى الأمل للثوار) لما تبقى من القوى الثورية وهذه المرة أخييييرا تم الدفع برجال الصف الثاني الأصغر سنا واكثر قدرة. فتولى الشيخ الدواخلي من رجال الصف الثاني في حزب الشرقاوي هذا المنصب الخطير الذي لا يحمل سلطة سوى السلطة المعنوية. بدا للثوار اختيارا مناسبا فهو ليس من رجال عمر مكرم المغضوب عليه بل من أعدى أعدائه ويمتلك الشخصية القوية الغاضبة دوما القادرة على مواجهة الباشا الذي أصبح يرهبه الجميع بدأ الشيخ محمد الدواخلي بمحاولة إعادة الهيبة للمنصب الرمز وبالسعي لمواجهة المظالم ومواجهة الوالي باتفاقاته وتعهداته القديمة

لكن النهاية كانت قد بدأت قبل البداية! حين انفرد حزب الشرقاوي بالثورة بعد التخلص من خصومه الثوريين لم يجد أحدا يدافع عن رجلهم حين اصطدم بالباشا

وعزل الدواخلي من المنصب وتم نفيه في لمح البصر ليموت وحيدا مهموما مثلما حدث لسلفه عمر مكرم تماما

هذا هو ما حدث في الثورة الشعبية الأولى في تاريخنا الحديث. التفريق بين القوى الثورية باجراءات خلافية ثم تعميق هوة الخلاف بين حزب وبقية الأحزاب ونشر الاشراعات والاتهامات قبل استبعادها واحدا تلو الآخر واستغلال غدر كل حزب بالثاني كوسيلة للتخلص منها جميعا

النهاية انفراد مطلق للحاكم الطاغية وأصبحت كلمة باشا من مجرد قائد في الجيش التركي (زي مشير وفريق عندنا) لإله لا يجوز عصيانه

واختم بمقولة: حرص من الجيش ومتخونوش