الخميس، 8 يوليو 2010

سانت تريزا.... هل حقا بقت الحارة كما هي

سانت تريزا.... هل حقا بقت الحارة كما هي

بين قيام الخمسينات والثمانينات مدة قصيرة في عمر الدول, ثلاثون عاما هي مدة طويلة, عمر كما يقولون, لكنه عمر واحد فقط لجيل واحد.
وكم مر بمصر من تغيرات هائلة في هذه الفترة! فالطفل الذي فتح عينيه على أنغام الثورة والاشتراكية شب وسط انكسار الهزيمة والاحباط ودخل الجامعة على أنغام النصر فالسلام فالصراع بين التيارات السياسية والمتطرفة وبين السلطة ليتخرج مع اغتيال السادات ويعمل في عهد مختلف له مشاكل وحسابات أخرى غير التي تربى عليها!
راية سانت تريزا لبهاء عبد المجيد ترصد تلك التغيرات المتلاحقة في تلك الفترات المتعاقبة المتناقضة التي مرت بها مصر, وببراعة اختار الكاتب ثلاثة خيوط لثلاثة أشخاص (مسلمة ومسيحية ويهودي) لينسج بها روايته, براعة تكمن في أن الالتقاء والتضفير بين الخيوط الثلاثة كان تلقائيا ونتيجة طبيعية جدا للمكان وهو إحدى حارات شبرا بالقرب من كنيسة سانت تريزا.
بدور فتاة مسيحية لإحدى العائلات الريفية البسيطة الفقيرة التي سعت لتحسين حالتها بالهجرة إلى الحضر, ومع خط خيالي جميل يسرد الكاتب أسطورة تلك العائلة عن لعنة غريبة طاردتها حتى طردتها من الفيوم, فحطت الرحال محتمية بجوار سانت تريزا الكنيسة الشهيرة في ذلك الحي الذي يمتزج فيه المسلمون والمسيحيون منذ الأزل.
تكبر بدور وفي وعيها تلك الأسطورة ومعها صديقتها سوسن المسلمة التي فقدت شقيقها في حرب 67. وسوسن التي تمثل الخط الثاني للأحداث شخصية ثرية جدا, أعجبني تعبير الكاتب عنها ببراعة وهو يسرد انطباعات الطفولة والصبا أثناء تجولها في الحي وغاراتها على ورود حديقة الكنيسة ونفورها من المدرسة, ثم الصدمة الاجتماعية التي تلقتها في الجامعة, مع الفوارق الاجتماعية المتباينة والطموح الشاب للحياة الأفضل
هذا الطموح كان مؤثرا هاما في شخصية الصديقتين, سوسن ترجم طموحها لشكل علمي فلسفي ثوري تحت تأثير زميلها سليم, الشخص الذي يهديها في الحياة كمرشد سام بينما هو نفسه ضائع مشتت متناقض. أما بدور فعثرت على مفتاح لتحقيق طموحها مع لوكا, الخيط الثالث لليهودي التائه. ليس تائها بحثا عن الحقيقة أو الوطن أو الاعتذار وإنما بحثا عن الحب الضائع. شخصية مضطربة تشعر بالرفض من الجميع بسبب أصلها اليهودي مما حطم حبه وأثار خوفه في وطنه وفي المقابل لا يشعر بوطن آخر يأويه بعد ضياع حبيبته الايطالية.

تمضي الأحداث معقدة متشابكة بين الشخصيات التي تتباعد وتتلاقى وسط أمواج الوطن المضطربة. أحداث جمة هائلة كحروب 67 و73 ومعاهدة السلام لا تغير في الحارة الباقية كما هي فنجد الحياة تمضي بالأبطال دون أن تظهر انفعالاتهم المباشرة وآرائهم المباشرة باشتعال العالم وراء الحارة, وبدلا من هذا نجد المؤلف بذكاء يعكس التأثر الغير مباشر, الحياة حين تتغير بأكملها دون أن يتوقف الناس ويصرخون منزعجين وهي تجرفهم في تيارها.

الرواية (التي ترجمت للانجليزية والالمانية) رغم قصرها مقارنة بمساحتها الزمنية الهائلة مشبعة للقارئ وتجذبه للتدقيق في تفاصيلها الداخلية جيدا دون إفراط أو تفريط عن الطبقات المصرية البسيطة, دون إلصاق الإسفاف والفساد الأخلاقي أو إظهار الغرائبيات والشوائب كأنها محور حياة البسطاء. فرغم إظهارها للنماذج المتنوعة ضمن شخصياتها الثانوية الكثيرة لكنها لم تخرج عن الصورة الكبيرة لأغلبية المجتمع للتركيز على الحالات الشاذة والصادمة كما يحدث في الكثير من الروايات الجديدة حاليا, ورغم ذلك أجاد المؤلف التعبير. وهو ما يحسب له ويدين بعض الاتجاهات المعتمدة على الغرابة والصدمة كهدف وليس مجرد وسيلة للابداع.

الأربعاء، 7 يوليو 2010

ليل أغسطس ينزل ضيفا على بيت الشاعر وسط الكنوز المصرية, محمد ابراهيم محروس

مناقشة رواية (ليل أغسطس) في بيت الشاعر
ليل أغسطس هي عمل ابداعي متفرد, يجمع بين صيغة الرواية البوليسية والرواية النفسية ولاقت صدى طيبا من القراء والنقاد.
وفي ليلة صيفية هادئة في القاهرة الفاطمية وفي بيت الشاعر الذي يجمع سحر الموسيقى والرسم والأدب وعلى خلفية من لوحات الشباب في معرض كنوز مصرية وموسيقى عبد الحليم حافظ نظمت جماعة التكية وبيت الشاعر ندوة لمناقشة رواية محمد ابراهيم محروس التي صدرت في مطلع العام الحالي عن اصدارات جماعة التكية الأدبية.
أدارت الندوة أ. سامية أبو زيد ببراعة وحضرها كل من اسلام مصباح, علاء محمود, عصام منصور, إسلام إدريس وغيرهم من الكتاب الشباب الذين اجتمعوا للاحتفاء بالعمل رغم لهيب الكرة المتصاعد بين أسبانيا وألمانيا في نصف نهائي كأس العالم في نفس التوقيت والذي ربما كان له دور في اعتذار عدد آخر عن الحضور في آخر لحظة!
بدأت سامية أبو زيد بمقدمة عرضت فيها الرواية وملاحظاتها عليها, معلقة على براعة الروائي الشاب في صياغة اللغة بأسلوب مضطرب مربك للقارئ يدخله رغما عنه في شخصية البطل الراوي المهتزة نفسيا وهي ليست راو حقيقي, بل هي تؤكد على فعل الكتابة باستمرار وتدخل القارئ في حدث مقروء بإصرار بدلا من حدث مرو.
بعد ذلك علق الحضور على الشخصيات الجانبية في الرواية وخاصة شخصية القبطان/الشبح التي وصفتها سامية أبو زيد بالهاجس الملح على كتاب المدن الساحلية وذكر المؤلف أثناء الحوار أنها شخصية حقيقية من لحم ودم عايشها عن قرب وتستحق روايات ضخمة عنها.
تطرق الحديث للتغير الحادث في الأشكال الأدبية حاليا حيث الرواية نموذج على استخدام الشكل البوليسي للكتابة النفسية. كذلك عن أساليب السرد الجديدة ومدى أهمية خاصية الحكي فيها.
الليلة كانت ممتعة, متعة للعين والأذن والعقل وسط مكان متفرد في القاهرة هو بيت الشاعر ورغم انها كانت في شهر يوليو إلا أنها أجادت التعبير عن ليل أغسطس.












انتظرونا (أو ننتظركم) الأربعاء القادم وزيوس يجب أن يموت