الاثنين، 3 يناير 2011

ارشيفي من دار ليلى الكوابيس تأتي في حزيران: قراءة في رواية

الكوابيس تأتي في حزيران.


منذ أيام أطلقت أسرائيل تصريحا تطالب فيه بأن تتولى مصر مسئولية الأمن في غزة.
الصراع الفلسطيني الفلسطيني وصل لذروته لدرجة الاستهانة بحياة سكان القطاع وبما أنجوزه من جهاد فيطلب الرئيس الفلسطيني أن يتسلم معابر غزة من اسرائيل بدلا من تسلمها من حماس!
التخاذل العربي (إلا من فلتات قليلة) أصبح في الحضيض
والدعم الأمريكي تجبر وافترى
ووسط هذا الليل المظلم أمسكت برواية ترجع للفترة الوحيدة الأشد إظلاما في التاريخ العربي
هزيمة 1967
رواية للاديب الفلسطيني د/محمد أيوب الذي خاض غمار الكفاح السياسي والعسكري ضمن كوادر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وسجل بقلمه عام 1998 بعد مرور 50 عاما على خروج أهله من يافا بعد المجازر الاسرائيلية التي ارتكبت ضد

سكانها وبعد ثلاثين عاما على ذكرى الهزيمة ما حدث كشاهد عيان على ما أصاب أهل القطاع قبل وبعد الحرب
ود.محمد أيوب معروف لنا في المنتدى حيث أنه من أعضاءه
http://www.darlila.com/forums/index.php?showuser=484


وله الكثير من المواضيع في المنتدى http://www.darlila.com/forums/index.php?ac...ser&mid=484
بدأت الرواية بنقطة الذروة مباشرة. عندما أدرك اللاجئون الفلسطينيون أن الهزيمة الشاملة قد تحققت وخافوا من تكرار مذبحة خان يونس 1956 المروعة فهربوا للمواصي التي هي مجموعة حدائق قرب الساحل
ثم بطريقة الفلاش باك يذهب بنا الكاتب لما كانوا عليه قبل الحرب أو يتقدم تدريجيا لما حدث بعدها مستلهما تجربته الشخصية التي تعرض فيها للاعتقال والتعذيب على يد قوات الاحتلال.
نرى الكثير من العوامل التي أدت للهزيمة (والتي تتكرر اليوم في ثوب جديد)
المبدأ المزخرف الذي يعجب الجميع: مواجهة عدو الداخل تسبق مواجهة عدو الخارج.
المبدأ الذي لا يخرج عنه حاكم ولا تنظيم معارض أو ارهابي أو متمرد في عالمنا العربي!
المبدأ الذي يتعارض بطريقة صادمة مع ما فعله الرسول (عليه الصلاة والسلام) مع المنافقين واليهود في المدينة فلم يواجههم إلا حينما خرج تمردهم عن أقصى الحدود بالخيانة العظمى أو بعدما تفرغ من معاركه الخارجية
قبل 67 (وللأسف بعدها) كانت الأولويات مقلوبة
فمثلا الادارة المصرية في غزة والاردنية في الضفة تولت مهمة قمع التنظيمات الفلسطينية
نجد صراعا مخابراتيا قاسيا بين التنظيمات من ناحية والشيوعيين والاخوان المسلمين من ناحية أخرى وبين أجهزة المخابرات والجميع من ناحية ثالثة. صراع استنزف العقول وشتت الجهود.
ورغم أنه عندما حانت ساعة الجد تخلى الجميع عن تلك المعارك الجانبية إلا أنه في هذه الساعة لم يكن أغلب الفلسطينيين مدربين على استخدام السلاح
الدبابات التي اشتروها استبدلت بدبابات ترجع للحرب العالمية الثانية حتى لا تمثل تهديدا للسلطة المصرية!
الاتصالات مقطوعة تماما حتى أن سكان خان يونس لم يعرفوا بسقوط القطاع إلا بعد أيام.
كانت هناك عقول مفكرة كثيرة. كان الشعب الفلسطيني (ومازال) من أعلى الشعوب تعليما وتفكيرا ووعيا سياسيا
لكن الرؤية العسكرية كانت مغيبة عمدا
كان هناك اكتفاء بالكلام وبالثرثرة وبالتفاخرأكثر من العمل!
سواء من الأفراد الذين هتفوا (جندونا جندونا) ثم عندما حانت لحظة التجنيد حاول كل منهم التهرب منه قدر استطاعته
وأيضا في القيادات المتخبطة وارتباك قراراتها العسكرية كما فعلوا بإجهاد سكان القطاع في حفر خنادق ثم ردمها وإعادة حفرها في مواقع بديلة
كان الشعب الفلسطيني يتعرض لنفس ما يتعرض له الشعب المصري وقتها في العهد الناصري: غسيل مخ فائق من أبواق دعاية صاخبة وكبت للحرية والرأي
هكذا كانت علاقة التنظيمات ببعضها والأفراد بالدولة
ولم يكن الوضع بين الدول وبعضها أفضل.
صدام سخيف بين مصر والأردن وتلاسن وتبادل للسباب والاتهامات كان هو السبب المباشر في غلق مضيق تيران الذي اتخذ مبررا لاشعال الحرب.
ترى هل نرى أن تلك الأخطاء والارتباك في الأولويات مازال موجودا عندنا؟
عندما نجد الخلافات السخيفة بين السعودية وسوريا وعندما نجد من ينادون بالانتباه للخطر الايراني قبل الاسرائيلي وعندما نرى ما حدث من قمع متبادل بين حماس وفتح؟
ربما كانت الثرثرة والجعجعة الفارغة هي الغائبة عن الصورة فقد استبدلنا أوهام العظمة هذه الأيام بأصوات التذلل والشحاذة!
كانت المرحلة الأولى من الرواية هي عرض أوهام ما قبل الهزيمة ثم كوابيس أيام الهزيمة وما أصاب الناس فيها من قلق وتدمير والوحشية الاسرائيلية في التعامل مع سكان القطاع وإذلالهم وإبعادهم قصرا عن أراضيهم
بعد هذا بدأت مرحلة ثانية. مرحلة ما حك جلدك مثل ظفرك والاعتماد على النفس والسعي للمقاومة.
هنا نجد الصعود والهبوط في الشخصيات وما تتعرض له من محن
في البداية تنجح ثلاث عمليات متتالية توقع خسائر فادحة في صفوف العدو
ينجح بطل الرواية مع زملائه في إعادة بناء التنظيم وتشكيل ذراع عسكري جيد
وفي المقابل أخطاء ساذجة مثل المسؤول العسكري للتنظيم الذي احتفظ بورقة بخط يده مكتوب فيها أسماء الاعضاء برتبهم وتسليحهم لصرف رواتب لهم فسقطت في يد العدو ليقع التنظيم العسكري الوليد بالكامل.
وهنا تبدأ المرحلة الأخيرة من الرواية
عندما تعرض البطل للاعتقال والتعذيب وعندما هددوه في أهله وأقاموا عليه عشرات الحيل الخبيثة لزعزعة نفسه وانتزاع الاعتراف منه
وتتعرض اسرته بالطبع لمتاعب جمة أثناء وجوده في السجن ينتج عنها فقد زوجته لجنينها الأول وتخويفها وتهديدها لترحل عن البلاد وتتركه.
لكن الاثنين صمدا في مواقعهما.
كلاهما جاهد بما يستطيعه وثبت جذوره في الأرض كي لا تقتلع منها مرة أخرى.
في هذا الجزء نتابع الوحشية والاحتقار الذان يكنهما الاسرائيلي للعربي
ونجد بين ثنايا الصورة شيئا مقابلا
فكما كان العقل العربي مغيب خلف أوهام العظمة و(أقوى قوة ضاربة في الشرق الأوسط) وغيرها من الدعايات التي تستهدف تقديس الحاكم
كان العقل اليهودي يتعرض لدعاية مماثلة وتغييبا مماثلا للعقل لكن هدفه كان مختلفا. الدعاية الاسرائيلية الموجهة ضد شعبها كانت لتشويه صورة العربي وإظهاره في صورة الهمجي البربري الذي بلا قلب أو روح. دعاية تستهدف نزع الشفقة

وإزالة تهاذيب الحضارة من نفوس الجنود.
دعاية عندنا تهدف لتربية شعب من العميان
ودعاية عندهم تهدف لتربية جنود ينظرون عبر منظار القناص لا يريهم سوى جزء محدد من الصورة لا يخرجون عنه
وأخيرا دعاية تصورهم في أعيننا أنهم لا يقهرون بينما تفشل دعايتنا في إختراقهم!
وهنا نجد صدمتين في المعتقل. واحدة من بطل الرواية أحمد الفايز الذي يفاجئ بمعتقل تعرض لتعذيب مروع من أبناء فلسطين التي احتلت 1948 الذي كان يتصور أنهم تهودوا وأصبحوا خونة كما صورت لهم الدعاية ذلك. رقص قلبه (رغم

معاناته) طربا لهذا وأدرك أن الخير في نفوس أمته لم يمت وأن جذوة الثورة لن تنطفئ
وكذلك عندما تعرف على سجان درزي يحسن معاملة المعتقلين وينقل لهم همسا بشارة الخسائر الاسرائيلية التي حدثت عندما حاولوا القيام بعملية واسعة في الأردن فحوصروا حصارا مرا هناك
في المقابل صدمة جندي يهودي من أصل ألماني, واحد من الذين تعرضوا لاضطهاد هتلر وانخدع بالدعاية الصهيونية التي صورت فلسطين أنها أرض بلا شعب
طلب هذا الجندي من بطل الرواية أن ينظف الزنزانة القذرة التي وضع فيها وصدم حينما طلب منه السجين بعض الديتول لتطهير يده من هذه الأوساخ
ويسأل سؤال مستفز لنا لكنه يوضح كيف هي الصورة التي زرعت في رأسه : أتعرف الديتول؟ ألستم العرب تعيشون دوما في القذارة؟
وهنا يخبره الراوي أنه يعمل مدرسا فيشعر الجندي بالحرج ويناقشه في عدد من الأكاذيب الاسرائيلية التي آمن أنها حقيقة مستندا لبعض الوقائع
مثلا أن طيار اسرائيلي سقط في سوريا فقتله الفلاحين بالفؤوس
نفس الطريقة التي مازال الاسرائيليون يتعاملون بها معنا حتى اليوم. لا يهم أن هذا الطيار نسف بيوت القرية فوق اطفالهم ونساءهم ولا يهم أن المستوطنين الاسرائيليين يغيرون على القرى الفلسطينية ذبحا ونهبا وإنما المهم أن طيارا (بريئا!) قتل

بالفئوس عام 67 ومستوطنا (مدنيا) أصيب بالهلع بسبب قطعة خردة طائرة اسمها صاروخ القسام.
لا يهم سبب اطلاق صاروخ القسام ولا محدودية فاعليته المهم أنه أصاب مدنيا اسرائيليا متحضرا!
يدور نقاش سريع بين السجين والسجان وبالطبع لا يكاد أحدهما يقنع الآخر لكن كليهما احترم الآخر رغم العداوة
مثل نقاش آخر حدث في بداية الرواية في مرحلتها الأولى بين استاذ مصري والبطل أحمد الفايز حول عبد الناصر
فالمصري تعرض لآلام الظلم الذي نال أهله ولهذا ينتقد عبد الناصر بينما أحمد الفايز الذي يحب عبد الناصر وكان واقعا تحت تأثير أبواق الدعاية لم يقتنع ولم يتصور أن هذه هي الحقيقة
رغم أنه كان يرى صورا لسوء استغلال السلطة والبطش في القطاع لم يربط هذا بذاك وأن النظام الحاكم ككل به عيوب رهيبة فتاكة لم تلبث أن تضافرت مع أسباب أخرى لتسبب سقوط النظام رغم انجازاته وبطولاته التي لا ينكرها أحد
لكن البطولات وحدها لا تكفي ان رافقها الظلم
تنتهي الرواية بعد الصدمة المروعة لأحمد الفايز والكوابيس التي تتابعت عليه بعد (حشيش الأوهام) ليجد أن هناك من يريد إعادة الكرة مرة أخرى
أعضاء يعملون في قوات التحرير الشعبية يفجرون قنبلة في الخلاء ليعلن عن أنهم نفذوا عملية فدائية يتلقون مقابلها رواتب وترقيات!
وهنا يتساءل أحمد: هل هذه هي البداية الصحيحة؟
ويجيب على نفسه: يجب أن نبدأ مرة أخرى
يريد أن يقول : يجب ألا نغرق أنفسنا في الأوهام مرة أخرى. يجب أن نعمل على أسس سليمة ونبني بناءا سليما ولا نعتمد إلا على أنفسنا ولا ننظر إلا لمصالح بلادنا.
لكن الاجابة اليوم عام 2008 للاسف تقول: مازالت الأوهام تسيطر
مازال الاهتمام بالدعاية أمام شعوبنا فنجدهم مثلا يعلنون عن أسماء منفذي العملية وعناوينهم ليسهلوا للعدو مهمة الانتقام منهم ونجد عناوين الصحف الحكومية تغرق في تمجيد الذات وسب الشقيق العربي واستبدلوا فقط تحدي القوى العظمى بالتذلل لها
ومازال الفشل في اختراق العدو بدعايتنا صارخا رغم الثورة الاعلامية الهائلة التي فضحت جرائمهم على الملأ
مازلت أذكر كيف حشروا صورة مقتل محمد الدرة في فيلم دعائي في أمريكا ليتوهم من يشاهده أنها صورة طفل يهودي! بينما مازلنا نكتفي بالحديث لأنفسنا عما نعرفه بالفعل
نجدهم يهتمون بالصراع فيما بينهم ويتركون الشعب ضائعا
صراع بين الدول العربية وبعضها وبين فتح وحماس حول كراسي ورقية لا تسمن ولا تغني
كراسي لو عرفوا قيمتها لأدركوا أنها خوازيق مسعرة في نار جهنم!
للأسف مازالت الكوابيس تأتي في حزيران وغير حزيران
وليلطف بنا الله من الكوابيس القادمة إن لم ننتبه لأنفسنا


يمكنكم تحميل الرواية وقراءتها هي وباق اعمال الكاتب من موقعه الشخصي
http://www.ayoub.ps/

ليست هناك تعليقات: