الجمعة، 6 يناير 2017

كيف تنقد الفانتازيا 1. التقنيات الفانتازية الجزء الاول

مقالي الجديد على صفحة فانتازيون
https://www.facebook.com/Fantasians/?fref=nf
#كيف_تنقد_الفانتازيا
 بإذن الله ستكون هذه سلسلة مقالات احاول المشاركة فيها مع زملائي في الرابطة لتوضيح نقاط معينة تختلف فيها الفانتازيا (وانماط من الخيال العلمي والرعب) عن بقية الوان الادب (كالواقعية مثلا) وتحتاج الى اهتمام ومعالجة نقدية خاصة
 فحين تقرأ رواية تنتمي للفانتازيا لا يكفي في تحليلك لشخصيتها اظهار علاقتها مع المجتمع وعمق مشاعرها وتفاعلها مع الازمة الخ
تاثير السحر-القوة الخارقة-الخطر العجائبي على هذه الشخصية امر يستحق الاهتمام
 في الخيال العلمي لا يكفي مناقشة الحبكة والصراع في العمل بل يجب مناقشة الفكرة العلمية ومدى اتساق النظرية الحقيقية مع معالجة الكاتب لها
 طبعا هذه الادوات التي يحتاج الكاتب (والقارئ الذي يناقش الرواية) الى معرفتها وفهمها لا تغني عن بقية الادوات النقدية الاخرى
 لكنها تكملة هامة لها مرتبطة وخاصة بالفانتازيا
وسنبدأ برصد بعض التقنيات او الحيل الادبية
#كيف_تنقد_الفانتازيا
#التقنيات_الفانتازية جزء1
 لو تناولنا جانبا واحدا من جوانب النقد وهو الحيل والتقنيات الأدبية. في نقد الرواية الواقعية نجد رصدا لحيل مثل التداخل الزمني والصراع النفسي وتغير لغة الشخصيات الخ
 لكن أدب الفانتازيا يمتلك حيلا وتقنيات أخرى ترسخت عبر الكتابات الممتدة منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وإذا استثنينا تقنية (العالم الافتراضي) بجوانبها المتعددة, لم تحظ بقية التقنيات على أضواء كافية, وسنحاول هنا على سبيل المثال (لا الحصر) عرض بعضها
. تقنية السفر عبر الزمن
 استخدم الزمن في الأدب الواقعي بالتنقل عبر المراحل المختلفة للحياة واستخدام الفلاش باك أو السير المتوازي في زمنين لشخصين, أو حتى محاولة تحطيم حاجز الزمن بنقل أحداث مترابطة على توال ارتباطها لا زمنها, وغيرها من الاستخدامات لهذه التقنية في الرواية. في أدب الفانتازيا حيث حرية أكبر تقابلها فرص ومشاكل أكبر. فالزمن ليس تيارا جامدا في اتجاه ثابت, منذ أن أتى أدب الخيال العلمي بفكرة السفر عبر الزمن وقد تطورت الفكرة بسرعة في شقيقته الفانتازيا مطورة عدة وسائل لاستخدامه
 وتبرز تقنية السفر عبر الزمن, مع معالجتين, معالجة الزمن الصارم: ما حدث قد حدث ولن يتغير. ومعالجة تأثير الفراشة. الأولى تفترض أن سير الأحداث صارم ولا مجال لتغير الزمن رغم انتقال الأبطال إلى الماضي أو عودتهم من المستقبل. والثانية تفترض حدوث تغير هائل بسبب تغيير بسيط
أ. السفر عبر الزمن الصارم
الكاتب الذي يستخدم هذه التقنية يجد نفسه ملزما لتركيب الاحداث في صورة مركبة كبيرة متناسقة, حيث يعيش البطل نفس الزمن مرتين دون أن يؤثر ما يفعله في الاحداث النهائية وإنما يكشف فقط عن جانب آخر منها: مثال لذلك رواية هاري بوتر وسجين أزكبان حين سافر هاري وهرميون للماضي لإنقاذ سايروس بلاك. أنقذا في الطريق المخلوق الطائر الهيبوجريف الذي كانا يعرفان أنه قد أنقذ بالفعل. وأثناء هذه الدورة الزمنية القصيرة تجمعت التفاصيل المختلفة الصغيرة التي مر بها البطلين في النصف الأول من الاحداث لتصبح هي المجرى الرئيسي للنصف الثاني من الاحداث عقب سفرهما للماضي.
 مثال ثان في فيلم القردة الاثنى عشر. حيث كان كل ما قام به بطل الفيلم من سفر للماضي لمواجهة الفيروس الذي دمر الأرض هو في حد ذاته الأحداث التي ألهمت وسهلت مهمة المخرب الذي نشر الفيروس.
 هذه التقنية تحتاج لجهد كبير من الكاتب لضبط أحداثها وتفاصيلها خلال عرضه لنفس الزمن مرتين. تكوين الصورة الكبيرة بدون تناقض يلاحظه القارئ. المشكلة التي تواجه المؤلف هنا هو خطر الإملال بسبب تكرار الحدث, ولو نظرنا للمثال الأول في رواية هاري بوتر وسجين أزكبان نجد المؤلفة قد نجت نوعا من هذا الخطر في الرواية لكن المعالجة الفيلمية سقطت فيه بعنف. في المثال الثاني كانت المهمة أشق لأن القصة بالكامل قائمة على هذه الفكرة لكن كون الاحداث تمضي في زمن واحد بالنسبة للبطل لأنه لم يعشها بصورة مزدوجة تستبعد هذا الخطر لكن تقربه من مشكلة اكتشاف المشاهد للفكرة الرئيسية سريعا مما يحرق الأحداث. لكن براعة الكاتب في استغلال هذا الخطر بدلا من الهروب منه بخلق حالة من الندم عند البطل جذبت المشاهد.
 أحيانا لا تكون الصورة شديدة الثبات في هذه التقنية, حيث يدخل المسافر عبر الزمن في حلقة مفرغة محاولا تغيير ما لا يمكن تغييره على طريقة سيزيف الذي يرفع الحجر لاعلى الجبل فقط ليسقط كي يرفعه من جديد. التركيز هنا يكون على فكرة القدرية. البطل يسافر لينقذ شخصا ما من الموت فقط لكي يموت بسبب آخر! لأن القدر ثابت حتى لو تغيرت المعطيات الثانوية
ب. السفر عبر الزمن لإحداث تأثير الفراشة
 على عكس التقنية الأولى التي يحاول الكاتب فيها تشكيل متاهة داخل صورة ثابتة فإن الصورة الكلية تتغير في كل مرة يتم فيها السفر عبر الزمن. التركيز هنا لا يكون على مجرد حدوث اختلاف في الزمن وإنما أن حدثا بسيطا أدى عبر الزمن وعبر سلسلة أحداث متتالية لفارق ضخم غير متصور. كلمة قيلت, باب أغلق, مجلة ألقيت في صندوق قمامة. الفكرة مبنية على نظرية تأثير الفراشة الشهيرة, التي تقول أن هناك سلاسل من المعطيات والقوى الكثيرة جدا المتحكمة في حياتنا حتى تبدوا للناظر من كثرتها أنها فوضى وعشوائية, ولأنها ليست فوضى حقيقية فإن اختلاف متغير بسيط يبدو ثانويا قد يؤدي عبر تسلسل هذه القوى وتفاعلها إلى إحداث تغييرات هائلة, أو كما يصف المثال الشهير: خفقات أجنحة الفراشة قد تؤدي إلى إعصار.
 حين تستخدم هذه التقنية في أدب الفانتازيا أو الخيال العلمي عبر استخدام السفر عبر الزمن, تكون مهمة الكاتب هي خلق صورة جديدة كل مرة من نفس المعطيات, مستغلا تغييرا واحدا محدودا يبني عليه تسلسل سريع يتضخم ككرة الثلج. هذه التقنية عادة ما تكون في قلب الحبكة القصصية, فالبطل يسافر عبر الزمن إما لإحداث هذا التغير أو إصلاحه أو هو يعاني من نتائجه. أمثلته كثيرة تناولها الأدب والسينما بكثافة ومن أشهرها فيلم تأثير الفراشة, والعودة من المستقبل.
 أحد المشكلات في هذه التقنية هي مسألة الدائرة الزمنية المفرغة, حين يقوم البطل بالسفر من الزمن (ك) إلى الماضي (ح) لمنع الموقف (أ) من الحدوث. حين ينجح البطل فإن الموقف (أ) لن يحدث وهو ما يعني أنه في الزمن الحديث (ب) لن يجد دافعا للسفر إلى الزمن (ح) وهذا سيعني أن الموقف (أ) لن يوجد ما يمنع حدوثه بما يرجعنا لنقطة الصفر!
 أحد الحلول المقنعة (نسبيا) هو استخدام فرضية الواقع البديل: وهي تعني إضافة افتراض خيالي بأن الشخص الذي يسافر عبر الزمن يغير العالم من حوله إلى واقع بديل (على طريقة ماذا يحدث لو) لكنه هو وأداة السفر لا يتأثرون لأانهم من نتاج واقع بديل مختلف يمضي عبر الزمن. فهو لا يؤثر ربما حتى في مصيره الشخصي. كأنه أصبح كائنا منفصلا مستقلا ينتمي لواقع آخر لم يحدث أو انتهى وتلاشى أو أصبح كونا موازيا. الأمر يعد مزج بين العالم الموازي والسفر عبر الزمن مستفيدا فيها من نتائج نظرية الكم في الابعاد المتوازية. استخدمت هذه التقنية نوعا في بعض الأعمال من أشهرها عالميا لعبة أمير فارس التي تحولت لفيلم ومن الأعمال العربية الحديثة رواية داي نيبون لمحمد عبد العليم
2. تقنيات عرقلة السحر في صالح البطل
 طبعا حين يكون السحر ضد البطل يمثل الأمر فرصة وقوة للصراع عبر إضافة مشاكل أخطر له, الطبيعة الملحمية لمعركة قوى الخير والشر هي أكثر تسيدا في أدب الفانتازيا, التخلص منها لصالح الشكل الحديث في الرواية من صراع قوى ونزعات بشرية ونفسية ليس كاملا في أغلب الأحيان, في النهاية ففكرة المعركة الكبرى والهدف السامي جذابة لمشاعر وتعاطف القارئ والتخلص منها في الفانتازيا أكثر صعوبة.
 والسحر أو القوى الخارقة في مجملها هو احد الاستخدامات المنتشرة في هذا اللون من الأدب, فبصفته اللون الأكثر حرية للخيال كان المنفذ الطبيعي للتعبير عن أحلام البشر في الكمال أو التفوق أو القفز فوق حدوده وقصوره.
 لكن استخدام السحر لصالح البطل هو أحد أصعب التقنيات التي تواجه المؤلف, فهي لسهولتها الشديدة تمثل فخا قاتلا للكاتب. لدرجة أنه يجد نفسه كمن يمشي على حافة بين هاويتين, الأول هي ولماذا لم يستخدم السحر لينجو وينتهي الأمر؟ والثانية هي: الأمر سهل لدرجة السخافة.
 الفانتازيا كأدب يمتلك حرية أكبر هو بالتأكيد يستوجب مسئوليات أكثر! واستخدام السحر في صالح البطل هو أحد أقدم الحلول السهلة في تاريخ الأدب. وهو في الوقت نفسه أحد المكونات الرئيسية في الأدب الخيالي. وفي الكتابة الحديثة تصبح عملية الإمساك بهذا الفن المراوغ في شدة الصعوبة. فالحلول السهلة تعني فشلا في الكتابة, وعدم الاستخدام يمثل تناقض منطقي. فالبطل بشر ومن طبيعة البشر استخدام الحل الأسهل.
 لذا نشأت تقنيات متعددة لعرقلة استخدام السحر والقوة الخارقة لصالح البطل ومنها:
التعليم: حيث يصبح تعرف البطل على قوته أو سحره مرتبطا بالتعلم والدراسة. هنا ينشأ قصور طبيعي نتيجة الجهل أو عدم نضج القوة بما يكفي لاستخدامها, استخدمت رولينج هذه التقنية ببراعة عبر مدرسة هوجوورتس استمرت لسبع سنوات, حيث جعلت السحر علما كبيرا لا يجيده الساحر بسهولة. ورغم ذلك لم يكن هذا عائقا كافيا فاضطررت لاستخدام تقنية التحريم
التحريم: حيث يكون استخدام السحر محرما في حالات معينة, ميزة هذه التقنية عن تقنية (الكربتونايت) هو القدرة على اختراقها في بعض الأحيان. مثال لهذه التقنية في سلسلة هاري بوتر حيث وضعت وزارة السحر قوانين صارمة بمنع استخدام السحر تحت السن القانوني ومنع استخدامه أمام العامة. وقد تلاعبت الكاتبة ببراعة بهذه التقنية عدة مرات فاستغلت التحريم لإيقاع البطل في مشكلة حين ألصق الجني دوبي به تهمة استخدام السحر تحت السن, ثم حين اخترق هاري مرتين هذا القانون مرة باستخدام ثغرة قانونية والثانية في ثورة غضبه وكان عليه مواجهة العواقب في المرتين.
 تصلح تقنية التحريم كثيرا في معالجة المشاكل التي تحدث نتيجة تفاعل الشخصية مع الشخصيات العادية الأضعف منه. وكما رأينا في نموذج رولينج تتيح فرصا لمعالجات جانبية متعددة. لكن في أحيان كثيرة تكون غير مقنعة للقارئ خاصة لو كانت الشخصية متورطة أصلا في مشاكل ضد مجتمعها أو خارجة بالفعل عن قوانيه.
تقنية الكربتونايت أو العجز: أو قصور القوة أمام مواقف معينة. هنا يفترض الكاتب نقطة ضعف لقوة بطله الخارقة أو السحرية. عادة ما تكون الثغرة التي ينال بها العدو من البطل. إما شيء منيع ضد قوة البطل أو نقطة ضعف قادرة عل محو قوته. استخدام تقنية نقطة الضعف منتشر جدا في كل قصص الابطال الخارقين فهي أحد الاركان الرئيسية ونموذجها الاشهر هو مادة الكربتونيت المادة الوحيدة القادرة على قهر سوبرمان. في قصص علاء الدين القديمة نجد الرخ مثلا نموذجا للمنطقة المحرمة التي يعجز البطل عن نيلها باستخدام الجني. الفارق بين تقنية الكربتونيت وفكرة كعب أخيل القديمة هو في الحركة. فكعب أخيل ملتصق به, وهو الثغرة الوحيدة التي إن عرفها الخصم استخدمها لتدمير البطل بينما الكربتونيت متحرك, قد يستخدم كسلاح ضد البطل أو لتحريم مكان ضده الخ. التقنية ليست مقتصرة على نقاط الضعف فحسب بل أيضا عل حدود وقصور القوة أمام مواد أو مواقف معينة. فمثلا رولينج استخدمتها لتفسير عجز أبطالها عن الحصول على الطعام باستخدام السحر عن طريق قانون التحويل الذي يؤكد وجود ثلاثة استثناءات في قدرة الساحر على التحويل ومنها الطعام. مشكلة تقنية الكربتونايت أنها جامدة جدا, أنت تعرف بسهولة ما سيحدث بمجرد أن يتعرض سوبرمان للكربتونايت. التحوير او احتمالات الاختراق محدودة ومتكررة.
3.تقنية الإدهاش بالغريب والضخم
 أحد أقدم تقنيات السرد الفانتازي على الإطلاق. بل ربما نعتبرها السبب في الاتجاه للخيال الجامح في الآداب القديمة. الاستعانة بأشكال غريبة ومخلوقات وهمية غير مألوفة ومضاعفة الأرقام من أعداد وأحجام ومساحات لإحداث حالة من الذهول التي تشد القارئ رغم عدم تصديقه المنطقي لهذه المبالغات. في الأشكال الحديثة تطورت هذه التقنية كثيرا لأن مسألة الحفاظ على (المنطقية الخاصة) للعمل زادت أهميتها عند القارئ وأصبح الكاتب اكثر اهتماما (بالصدق الفني) أصبح الكاتب في تشكيله للعوالم الوهمية ملتزما بالانواع والاشكال التي وصفها, وهي تدخل في قلب الصراع,
وتبرز هنا ملحوظة متعلقة بهذه التقنية حين نقارنها في الادب الحديث بأعمال الخيال في ألوان الأدب القديمة ككتاب العظمة وسيرة سيف ابن ذي يزن سنجد أن استخدام الغرائب في السير القديمة كان لمحض متعة وابهار القارئ, وتوظيفه الفني محدود إلى حد كبير. فالبطل يصل لبلاد غريبة بها مخلوقات عجيبة يمر بها مرور الكرام وأحيانا يواجهها في معركة قصيرة لا تتكرر.
 في الأدب الحديث لم تعد تلك المخلوقات الغريبة جزءا ضئيلا من رحلة البطل, بل جزء من العالم الواسع الذي يتصارع معه, فهي مخلوقات غرائبية فاعلة ونشطة مع أو ضد البطل أكثر بكثير مما كانت في الأدب القديم, الأهم هو الانتشار, فتلك المخلوقات في كل مكان, قد تكون مختفية في الظلام أو في بعد آخر أو في بيوت غير مرئية وسط الناس بينما في الأدب القديم كانت موجودة في جزيرة خاصة بهم إذا تجاوزها البطل لم يقابلهم
 هذا الفارق قد يبدو بسيطا, لكن لو نظرنا له من زاوية أخرى لأدركنا اهميته, المؤلف القديم كان يلعب على وتر المجهول والغير معروف بينما أصبح المؤلف الحديث أكثر جرأة يغير في بنية العالم المعروفة ليتحرر من قيود مطابقة الواقع.
#يتبع

ليست هناك تعليقات: